معركة بلاط الشهداء

من طرف استشهادية الخميس أبريل 10, 2008 3:30 am

تولى عبد الرحمن بن عبدالله الغافقي إمرة الأندلس زمن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 112هـ , فطاف الأقاليم ينظر في المظالم , ويقتص للضعفاء , ويعزل الولاة الذين حادوا عن جادة الطريق, ويستبدل بهم ولاة معروفين بالزهد والعدل , ويتاهب للجهاد , ودعا المسلمين من اليمن والشام ومصر وأفريقية لمناصرته فجاؤوا وازدحمت بهم قرطبة.

, وجمع الغافقي المجاهدين في مدينة بنبلونة وخرج باحتفال مهيب ليعبر جبال البرانس شمال أسبانيا , واتجه شرقاً جنوب فرنسا فأخضع مدينة أرل ثم اتجه إلى دوقية أقطانيا فانتصر على الدوق أودو انتصاراً حاسماً وتقهقر الدوق , واستنجد بشارل مارتل وكان يسمى المطرقة , فلبى النداء وبذلك توحدت القوى الغربية في فرنسا ضد الإسلام ..

واجتمع الفرنجة إلى شارل مارتل وقالوا له : ما هذا الخزي الباقي في العقاب , وكنا نسمع بالعرب ونخافهم من مطلع الشمس حتى اتوا من مغربها , واستولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدة والعدد , ويجمعهم القليل وقلة عدتهم وكونهم لا دروع لهم , فأجابهم : الرأي عندي ألا تعترضوهم في خرجتهم هذه فإنهم كالسيل يحمل ما يصادفه وهم في إقبال أمرهم , ولهم نيات تغني عن حصانة الدروع , ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم , ويتخذوا المساكن , ويتنافسوا في الرئاسة , ويستعين بعضهم على بعض فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر.

وأنهى شارل حروبه مع السكسون والبافاريين , وتنبه لفتوح المسلمين , وأما الغافقي فقد مضى في طريقه متتبعاً مجرى نهر الجارون ففتح برادل واندفع شمالاً ووصل إلى مدينة بواتييه وكانت المعركة في مدينة بواتييه جنوب فرنسا , على مسافة عشرين كيلو متراً منها و سميت المعركة: البلاط والمقصود بالبلاط , القصر أو الحصن , ولعل مكان الموقعة كان بجوار قصر او حصن كبير , و كان الجيش الفرنجي أكبر من جيش المسلمين كما كان موقفهم الاستراتيجي أفضل وأجود , لمعرفتهم بالموقع , والقدرة على القتال في جو مطير وأرض موحلة.

والتقى الجمعان في أواخر شهر شعبان سنة 114هـ , ورابط كل منهما أمام الآخر ثمانية أيام ثم بدأ المسلمون القتال واشتبك الجيشان في قتال عنيف , واجتهد الفرنجة ومن معهم من الألمان والسكسون في اختراق خطوط المسلمين في يومين متتاليين دون نتيجة , وقد بذلوا أقصى ما استطاعوا من جهد وهجوم مشاتهم وفرسانهم على المسلمين هجوماً عنيفاً بالحراب , ولكن المسلمين ثبتوا , بل بدا قرب مساء اليوم الثاني أن المسلمين أخذوا يتفوقون على عدوهم , ثم حدث بعد ذلك أن اندفعت فرقة من فرسان الفرنجة فاخترقت صفوف المسلمين ووصلت إلى مؤخرة الجيش حيث أودع المسلمين غنائمهم , وكانت شيئاً عظيماً جداً , فخشى الكثيرون من أفراد الجيش المسلم أن يستولى عليها هؤلاء الفرنجة , فالتفت بعضهم وعادوا إلى الخلف ليبعدوا االأعداء عن الغنائم , وهنا اضطربت صفوف المسلمين واتسعت الثغرة التي نفذ منها الفرنجة , فاندفعوا فيها في عنف وقوة زلزلت نظام القوات الإسلامية , وحاول عبدالرحمن الغافقي أن يثبت جنوده ويعيد نظامه أو يصرفه من الهلع على الغنائم فلم يوفق , وأصابه سهم أودى بحياته , وصبر المسلمون أقبل الليل فانتهزوا فرصة الظلام وتسللوا متراجعين إلى الجنوب على عجل , وكان ذلك في أوائل شهر رمضان سنة 114هـ .

وحينما أسفر الصبح نهض الفرنجة فلم يجدوا من المسلمين أحداً , فتقدموا على حذر من مضارب المسلمين فإذا هي خالية منهم , وقد فاضت بالغنائم والأسلاب والخيرات , فظنوا ان في الأمر خدعة , وتريثوا قبل أن يجتاحوا المعسكر وينتهبوا ما فيه , ولم يفكر أحد منهم في تتبع المسلمين , لأنهم خافوا أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم بهذا الانسحاب فخاً.

وهكذا انتهت المعركة , و لو انتصر المسلمون لتخلصت أوروبا من ظلماتها وجهالتها واستبدادها وحطمت الاستغلال والاضطهاد , وقال المؤرخ جيبون : لو انتصر العرب في تور بواتييه لتلي القرآن وفسر في اوكسفورد وكمبردج .

ولو انتصر المسلمون في هذه المعركة لدخلوا أوروبا فاتحين منظمين , يريدون إدخالها في رحاب دولتهم وتحويلها إلى الإسلام , ولو استقر لهم الأمر في فرنسا لاتجه نظرهم إلى إلى ما وراءها , ومن هنا كانت اهمية بلاط الشهداء في تاريخ أوروبا فقد حالت بينها وبين سيطرة المسلمين عليها.